“أويس القرني: الرجل الذي أوصى النبي ﷺ بالبحث عنه وطلب شفاعته”

رسم تعبيري يعبر عن لقاء عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب مع أويس القرني في أجواء روحانية محاطة بجبل عرفات والإبل ترعى حولهم. تظهر علامات التواضع والعبادة على أويس، مع تفاصيل مثل الشامة البيضاء في كفه اليسرى. المشهد يعكس الزهد والسمو الروحي لشخص عظيم كان مجهولاً على الأرض لكنه معروف في السماء.

في فناء الكعبة المشرفة، حيث تعلو أصوات الطائفين وتهفو القلوب نحو الله، نزل جبريل عليه السلام على النبي محمد ﷺ يحمل بشرى عظيمة. قال جبريل: “يا محمد، سيخرج من أمتك رجل يُشفع فيُشفعه الله في عدد قبائل ربيعة ومضر، فإن أدركته، فاطلب منه الشفاعة لأمتك.”

فقال النبي ﷺ بشغف: “وما اسمه، وما هي صفته التي تدل عليه؟”
أجاب جبريل عليه السلام بكلمات واضحة: “اسمه أويس، وهو من بلاد اليمن، من قبيلة مراد العريقة. يتميز بشعر أصهب اللون، وحاجبين مقرونين، وعينين شديدتي السواد، وفي كفه اليسرى علامة بيضاء كالشامة.”

ظل النبي ﷺ يتمنى لقاء أويس القرني، ولكن القدر لم يشأ أن يلتقيا. وعندما حانت ساعة وفاته، أوصى أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يبحث عنه إن استطاع وأن يطلب منه الشفاعة لأمة الإسلام. ومع ذلك، لم يوفق أبو بكر رضي الله عنه في لقاء هذا الرجل التقي، فانتقلت الوصية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

رحلة البحث عن أويس القرني
في العام الثالث والعشرين من الهجرة، وبينما كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يؤدي فريضة الحج، وقف على جبل أبي قبيس في مكة المكرمة ونادى بصوته القوي الذي يجلجل في أرجاء الحرم الشريف:
“يا أهل اليمن، هل فيكم رجل يُدعى أويس بن عامر من مراد ثم من قرن؟”

نهض شيخ وقور من بين القوم وأجاب: “نعم، لدينا شاب يُدعى أويس بن عامر. إنه ابن أخ لي، لكنه رجل بسيط يعمل راعياً للإبل في أراك عرفة.”
حينها، أشرق وجه عمر رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بنور الأمل، وتوجها مسرعين إلى أراك عرفة حيث يرعى أويس الإبل.

لقاء أويس القرني: سيد التابعين
عندما وصلا، وجدا رجلاً تقياً يقف في خشوع يصلي، والإبل ترعى من حوله. كان أويس كما وصفه جبريل عليه السلام: بشعر أصهب، وعينين أدعجتين، وشامة بيضاء في كفه اليسرى.
سلم عليه عمر وعلي رضي الله عنهما وقالا له: “السلام عليك يا أويس ورحمة الله وبركاته.”
رد أويس بهدوء: “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.”
فسأله عمر: “ما اسمك يا عبد الله؟”
أجاب ببساطة: “أنا عبد الله وابن أمته.”
أصر عمر على معرفة اسمه الحقيقي، فقال أخيراً: “أنا أويس بن عبد الله.”

حينها، طلبا منه أن يكشف عن الشامة البيضاء على شقه الأيسر. وبعد أن تأكدا من العلامة، أخبراه برسالة النبي ﷺ. عندما سمع أويس ذلك، بكى بكاءً شديداً وقال: “عسى أن يكون هذا غيري.”

الشفاعة والزهد في الدنيا
قال له عمر وعلي رضي الله عنهما: “ادعُ الله لنا، فقد أمرنا النبي ﷺ بذلك.”
رفع أويس يديه بالدعاء وقال: “اللهم، إنهما يذكران أنهما يحبانني فيك، وقد رأياني، فاغفر لهما وأدخلهما في شفاعة نبيك محمد ﷺ.”
عرض عليه عمر بعض المال والكسوة، لكنه رفض قائلاً: “يا أمير المؤمنين، لا حاجة لي في الدنيا. إن بيني وبين الله عقبة عظيمة لا يقطعها إلا المخففون من الدنيا. أريد أن أكون خفيفاً حتى أعبر تلك العقبة بأمان.”

غادر أويس القرني المكان سريعاً، تاركاً عمر وعلي رضي الله عنهما في حالة من التأثر العميق. نظرا إليه حتى اختفى بين الأفق، فقال عمر: “كم من مشهور في الأرض مجهول في السماء، وكم من مجهول في الأرض معروف في السماء!”

التقوى هي المعيار الحقيقي
هذا اللقاء العظيم يترك درساً خالداً في نفوسنا: أن المعيار عند الله ليس القوة ولا الشهرة، وإنما التقوى والزهد والإخلاص. كم من أناس بسيطين في أعين البشر، لكنهم عظماء في ميزان الله سبحانه وتعالى!

Leave a Reply